يعيش المسيحييون العراقيون في وضع لا يحسد عليه. والوضع بالعراق وضع مقلق وغير مستقر للغالبية العظمي من الشعب العراقي، بيد أن الأقليات الدينية والأثنية غالبا ما تعاني الأمرين من أوضاع كهذه. ولا نبالغ ان قلنا أن المسيحيين العراقيين أقل حصانة وأكثر عرضة للاقصاء والاستئصال كونهم أقلية مسالمة كانت وما زالت تبحث عن الحماية من خلال استجداء عطف وعون المكونات الرئسة للمجتمع العراقي. وسياسة اللاعنف كانت هي الغالبة والسائدة في المفهوم والممارسة لدي أتباع الكنيسة الشرقية العراقية منذ نشوئها في القرن الاول الميلادي وحتي اليوم.
والا كيف نفسر ذبح أكثر من 40000 مسيحي في الاظطهاد الأربعيني في عهد الدولة الساسانية في العراق. ولكثرة ما قتل لنا صار العالم يطلق علي كنيستنا العراقية كنيسة الشهداء.
لا حاجة ان ندور في فلك التاريخ ولكن الذكري قد تنفع. لقد كنا نحن المسيحييون العراقيون نشكل غالبية السكان في أكثر من منطقة في العراق وحتي القرن الثاني عشر عندما بدأ نجم الدولة العربية بالتقهقر.
وهكذا صارت مدنا كبيرة ذات ثقل مسيحي تقريبا خالية من المسيحيين ومنها علي سبيل المثال لا الحصر تكريت والي حذّ كبير بغداد العاصمة والموصل والبصرة. واليوم لم يبق لنا حضور يذكر الا في سهل نينوي وبعض المناطق الشمالية من العراق حيث ادت ظروف العراق غير الطبيعية الي موجة نزوح ربما لم نشهدها نحن المسيحيين من قبل وأخذ عددنا في العراق بالتناقص لدرجة ان بعض الباحثين بدأوا بالحديث عن العد التنازلي القريب عن عراق خال من المسيحيين. وعيوننا نحن المسيحييون وقلوبنا، ان كنا داخل العلااق وخارجه، موجهة صوب بلدنا العزيز. نصفق ونهلل لذكره في احتفالاتنا الدينية والدنيوية. الا ان لسهل نينوي، ولنقولها صراحة لأشقائنا العراقيين من كل الأطياف الأخري، مكانة خاصة في قلوبنا.
في هذا السهل ومركزه الموصل، لنا قري مسيحية عراقية عامرة الوحيدة التي استطاعت مقاومة عوادي الزمن والحفاظ علي خصوصيتها المسيحية ضمن النسيج المتعدد الألوان الذي تمتاز ويجب أن تفتخر به محافظة نينوي ومركزها الموصل.
هذه القري والبلدات، ولنسمها باسمائها - قرقوش، كرمليس، برطلة، مركي، بعشيقة وبهزاني، تلكيف، باقوفا، برطلة، تلسقف،القوش - هي القلب الصغير والنابض للمسيحيية في العراق. ومتي ما توقفت دقات هذا القلب اقراء علي المسيحيين السلام في العراق.
فهل كثير علينا نحن احفاد حنين بن اسحاق وابن العبري والعلماء السريان الفطالحة الذين أسهموا في اعلاء شأن الحضارة العربية الاسلامية ان نطالب بالحفاظ علي هذه الأماكن وعدم العبث بنسيجها السكاني والثقافي والجغرافي؟
هل كثير علينا في القرن الواحد والعشرين ان نطالب بادارة ذاتية تشمل التدريس بلغتنا السريانية والحفاظ علي تقاليدنا وفولكلورنا من الضياع؟
هل كثير علينا أن نطالب بمساواة حقيقية في أمور توزيع الثروة والتنمية والخدمات البلدية وغيرها؟
هل كثير علينا ان نطالب بالحفاظ علي كنائسنا واديرتنا يرجع تاريخ بعض منها الي ما قبل قدوم الاسلام الي المنطقة؟
لقد كان للتقارير حول عرض الأراضي الداخلة مع بعض هذه القري والبلدات للبيع وقع الصاعقة علي كل المسيحيين العراقيين داخل العراق وخارجه.
هل يعقل ان بامكاننا نحن المسيحيين العراقيين الدخول في مزاد كهذا تفوح منه رائحة التسييس، ولا أقول أكثر من ذلك؟
قد يقول قائل، لكم الغرب "المسيحي" والأمريكان. لا يا أخي، نحن لسنا منهم وهم ليسوا منا. نحن منكم واليكم. مصابكم مصابنا، وسعادتكم سعادتنا.
بادلونا المشاعر والمواقف وهذا أقصي ما نتمناه.
استاذ جامعي عراقي
السبت سبتمبر 19, 2009 9:18 pm
